كان سبب مفارقة أبي محمد الحسن عليه السلام دار الدنيا وانتقاله إلى دار الكرامة على ما وردت به الاخبار أن معاوية بذل لجعدة بنت محمد بن الاشعث زوجة أبي محمد عليه السلام عشرة آلاف دينار وإقطاعات كثيرة من شعب سورا ، وسواد الكوفة ، وحمل إليها سما فجعلته في طعام فلما وضعته بين يديه قال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، والحمد لله على لقاء محمد سيد المرسلين ، وأبي سيد الوصيين ، وامي سيدة نساء العالمين ، وعمي جعفر الطيار في الجنة ، وحمزة سيد الشهداء صلوات الله عليهم أجمعين . ودخل عليه أخوه الحسين صلوات الله عليه فقال : كيف تجد نفسك ؟ قال : أنا في آخر يوم من الدنيا وأول يوم من الآخرة على كره مني لفراقك وفراق إخوتي . ثم قال : أستغفر الله على محبة مني للقاء رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين وفاطمة وجعفر وحمزة عليهم السلام . ثم أوصى إليه وسلم إليه الاسم الاعظم ، ومواريث الانبياء عليهم السلام التي كان أمير المؤمنين عليه السلام سلمها إليه ، ثم قال : يا أخي إذا [ أنا ] مت فغسلني وحنطني و كفني واحملني إلى جدي صلى الله عليه وآله حتى تلحدني إلى جانبه ، فان منعت من ذلك فبحق جدك رسول الله وأبيك أمير المؤمنين وامك فاطمة الزهراء عليهم السلام أن لا تخصام أحدا ، واردد جنازتي من فورك إلى البقيع حتى تدفني مع امي عليها السلام . فلما فرغ من شأنه وحمله ليدفنه مع رسول الله صلى الله عليه وآله ركب مروان بن الحكم طريد رسول الله صلى الله عليه وآله بغلة وأتى عائشة فقال لها : يا ام المؤمنين إن الحسين يريد أن يدفن أخاه الحسن مع رسول الله صلى الله عليه وآله والله إن دفن معه ليذهبن فخر أبيك وصاحبه عمر إلى يوم القيامة قالت : فما أصنع يا مروان ؟ قال : الحقي به وامنعيه من أن يدفن معه قال : وكيف الحقه ؟ قال : اركبي بغلتي هذه . فنزل عن بغلته وركبتها وكانت تؤز الناس وبني امية على الحسين عليه السلام وتحرضهم على منعه مما هم به فلما قربت من قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وكان قد وصلت جنازة الحسن فرمت بنفسها عن البغلة وقالت : والله لا يدفن الحسن ههنا أبدا أو تجز هذه وأومت بيدها إلى شعرها فأراد بنو هاشم المجادلة فقال الحسين عليه السلام : الله الله لا تضيعوا وصية أخي ، واعدلوا به إلى البقيع فانه أقسم علي إن أنا منعت من دفنه مع جده صلى الله عليه وآله أن لا اخاصم فيه أحدا وأن أدفنه بالبقيع مع امه عليها السلام فعدلوا به ودفنوه بالبقيع معها عليها السلام . فقام ابن عباس رضي الله عنه وقال : يا حميراء ليس يومنا منك بواحد ، يوم على الجمل ويوم على البغلة ، أما كفاك أن يقال " يوم الجمل " حتى يقال " يوم البغل " يوم على هذا ويوم على هذا ، بارزة عن حجاب رسول الله صلى الله عليه وآله تريدين إطفاء نور الله والله متم نوره ولو كره المشركون إنا لله وإنا إليه راجعون فقالت له : إليك عني واف لك ولقومك .
عن محمد بن الحسن ، وعلي بن محمد ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن سليمان ، عن هارون بن الجهم ، عن محمد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : لما احتضر الحسن بن علي صلواة الله عليهما قال للحسين عليه السلام : يا أخي إني أوصيك بوصية فاحفظها ، فإذا أنا مت فهيئني ثم وجهني إلى رسول الله صلى الله عليه وآله لاحدث به عهدا ثم اصرفني إلى امي فاطمة عليها السلام ثم ردني فادفني بالبقيع . واعلم أنه سيصيبني من الحميراء ما يعلم الناس من صنيعا وعداوتها لله ولرسوله صلى الله عليه وآله وعداوتها لنا أهل البيت . فلما قبض الحسن عليه السلام وضع على سريره ، وانطلق به إلى مصلى رسول الله الذي كان يصلي فيه على الجنائز ، فصلي على الحسن عليه السلام فلما أن صلي عليه حمل فادخل المسجد ، فلما اوقف على قبر رسول الله بلغ عائشة الخبر وقيل لها : إنهم قد أقبلوا بالحسن بن علي عليهما السلام ليدفن مع رسول الله صلى الله عليه وآله ، فخرجت مبادرة على بغل بسرج ، فكانت أول امرأة ركبت في الاسلام سرجا ، فوقفت فقالت : نحوا ابنكم عن بيتي ، فانه لا يدفن فيه شئ ، ولا يهتك على رسول الله صلى الله عليه وآله حجابه . فقال لها الحسين بن علي صلوات الله عليهما : قديما هتكت أنت وأبوك حجاب رسول الله صلى الله عليه وآله وأدخلت بيته من لا يحب رسول الله صلى الله عليه وآله قربه ، وإن الله سائلك عن ذلك يا عائشة ، إن أخي أمرني أن اقربه من أبيه رسول الله صلى الله عليه وآله ليحدث به عهدا . واعلمي أن أخي أعلم الناس بالله ورسوله ، وأعلم بتأويل كتابه من أن يهتك على رسول الله صلى الله عليه وآله ستره لان الله تبارك وتعالى يقول : " ياأيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم " وقد أدخلت أنت بيت رسول الله صلى الله عليه وآله الرجال بغير إذنه ، وقد قال الله عزوجل : " يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي " ولعمري لقد ضربت أنت لابيك وفاروقه عند اذن رسول الله صلى الله عليه وآله المعاول ، وقال الله عزوجل : " إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله اولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى " . ولعمري لقد أدخل أبوك وفاروقه على رسول الله صلى الله عليه وآله بقربهما منه الاذى ، وما رعيا من حقه ما أمرهما الله به على لسان رسول الله صلى الله عليه وآله إن الله حرم على المؤمنين أمواتا ماحرم منهم أحياء . وتالله يا عائشة لو كان هذا الذي كرهتيه من دفن الحسن عند أبيه صلوات الله عليهما جائزا فيما بيننا وبين الله ، لعلمت أنه سيدفن وإن رغم معطسك . قال : ثم تكلم محمد ابن الحنفية وقال يا عائشة : يوما على بغل ، ويوما على جمل فما تملكين نفسك ولا تملكين الارض عداوة لبني هاشم ، قال : فأقبلت عليه فقالت : يا ابن الحنفية هؤلاء الفواطم يتكلمون فما كلامك ؟ فقال لها الحسين : وأنى تبعدين محمدا من الفواطم ، فو الله لقد ولدته ثلاث فواطم : فاطمة بنت عمران بن عائذ بن عمرو بن مخزوم ، وفاطمة بنت أسد بن هاشم ، وفاطمة بنت زائدة بن الاصم بن رواحة بن حجر بن [ عبد ] معيص بن عامر ، قال : فقالت عائشة للحسين عليه السلام : نحوا ابنكم واذهبنوا به فانكم قوم خصمون ، قال : فمضى الحسين عليه السلام إلى قبر امه ثم أخرجه فدفنه بالبقيع .
هذه القصة نقلا عما ورد في كتاب بحار الانوار .