تمر علينا هذه الايام الذكرى التاسعة لفاجعة استشهاد المرجع الكبير آية الله العظمى السيد محمد محمد صادق الصدر ونجليه الكريميين (رضوان الله عليهم اجمعين)، هذه الفاجعة التي ملأت قلوب المؤمنين غيظاً وألماً، وهم يشاهدون الحدث الدامي الذي نفذته اجهزة النظام المقبور القمعية ليلتحق هو وولداه بركب الشهادة والاباء الى جانب اخيه وابن عمه الإمام المظلوم الشهيد السيد محمد باقر الصدر(قدس)، هذا الركب الذي كان امتداداً لقوافل الشهداء العظماء من آل الحكيم وآل الصدر وآل بحر العلوم وآل السيد قاسم المبرقع وقبضة الهدى وغيرهم من المراجع الكبار كالبروجردي والغروي (رضوان الله عليهم اجمعين).
ان اكبر هاجس كان يخافه النظام الدكتاتوري البائد هو الالتفاف الجماهيري الواسع حول مراجع الدين الكبار والذي كان بمثابة الثورة غير المعلنة على الظلم والقهر والاستبداد وعلى السياسات الطائفية والعنصرية التي كان يمارسها النظام المقبور ضد مدرسة أهل البيت(ع) وضد اتباعهم في بلد المقدسات العراق العظيم. لذلك سخّر ماكنته القمعية ضد أي تحرك يشم منه رائحة المعارضة لقوانينه وتشريعاته الظالمة، فكانت بحق الكوفة الحمراء ومنبرها المقدس تموج بالملايين في كل جمعة تحدياً للسلطة الحاكمة التي منعت أي ممارسة دينية او شعيرة اسلامية وخاصة الشعائر الحسينية تقام في مناسباتها، لذلك عمد الى التصفيات الجسدية بعد ان فشلت كافة محاولاته في احتواء هؤلاء الرجال العظام.
وحينما أطلق الشهيد السعيد آية الله العظمى المرجع السيد محمد محمد صادق الصدر(قدس) شعاراته المعروفة للجميع في الدفاع عن المذهب وعن الطائفة واداناته واستنكاره العلني للممارسات السلطة الارهابية الدموية وأمام الملايين من أتباع المرجعية الدينية واتباع مدرسة أهل البيت(ع) في كل جمعة وبعدما لاحظ المجرمون من زبانية النظام البائد هذا الامتداد الجماهيري الواسع الذي يهدد سلطتهم الباغية قرروا التخلص من هذا الرجل العظيم ووقف هذا الامتداد المرجعي الواسع في اوساط الأمة فعمدوا في ليلة ظلماء ان تنهمر رصاصات غدرهم وخستهم وعدوانيتهم على هذه الأجساد الطاهرة ظناً منهم انهم سوف يسكتون صوت المرجعية المدوي في كل ارجاء الوطن وسوف يتخلصون من الكابوس الذي كان يؤرقهم ويسلبهم في كل يوم هذا التسلط الطاغوتي على رقاب ابناء الشعب العراقي المسلم، إلاّ ان آمالهم وأمانيهم قد فشلت فشلاً ذريعاً وتحولت رصاصات الغدر والجريمة النكراء الى محور مرجعي وجماهيري وقف بكل شجاعة وبسالة وتضحية أمام المد العلماني السلطوي وأمام أجهزته القمعية فيما تحول الدم الطاهر للشهداء الى شعلة وهاجة أضاءت دروب السالكين الى الله سبحانه وتعالى فلم تسكت او تستكين منابر صلاة الجمعة في كل العراق ولم تتفرق الجموع المليونية بل ازداد حضورها وأدت منابر الجمعة دورها المطلوب في المواجهة العلنية مع السلطة الغاشمة فأمتلأت السجون وحملت اعواد المشانق الكثير من الرؤوس الكريمة التي واصلت الدرب دون هوادة.
لقد حذر الشهيد السعيد آية الله العظمى المرجع السيد محمد محمد صادق الصدر السلطة الدموية من تماديها بحق الناس الابرياء واستهدافها للعماء خصوصاً بعد ان حدد مهلة زمنية لاطلاق سراح المعتقلين منهم. الامر الذي فسرته السلطة على ان هذا التحذير هو بمثابة تجاوز، فقررت تصفيته جسدياً في عملية غادرة خسيسة تحولت فيما بعد الى قوة جماهيرية مختزنة والى خلايا نائمة يمكن ان تنطلق في أية لحظة باتجاه التغيير الشامل وهذا ما تحقق بالفعل حيث انطلقت المظاهرات والمسيرات المنددة بالفعل الشنيع في كافة ارجاء العراق وفي بعض الدول المجاورة للعراق، حيث أثار نبأ الاستشهاد همم العراقيين للتعبير عن استنكارهم لهذا الفعل الاجرامي وكادت ان تشتعل الثورة العارمة لولا القسوة الشديدة جداً التي مارستها أجهزة النظام القمعية ضد الجماهير في الداخل ورغم ذلك فقد اتسعت رقعة الاستنكار وتجاوزت جغرافية العراق وامتدت الى دول الجوار حيث تجمع العراقيون في منافيهم وشتاتهم وانطلقوا في مظاهرات واسعة للتنديد بهذا الفعل المشين مما اربك السلطة محلياً واقليمياً ودولياً وتعرضت سفاراته في العديد من الدول الى مواجهات جماهيرية احتجاجاً على هذه الجريمة النكراء ساهمت فيها كل القوى الاسلامية والوطنية خارج العراق وخاصة سفارة النظام المقبور في طهران التي شهدت في اليوم الثاني للفاجعة الأليمة مواجهات بين حراس السفارة والجماهير الغاضبة التي كانت تحمل على اكتافها نعوشاً تعبر عن تلك الاجساد الطاهرة للشهيد السعيد ونجليه الكريميين.
ان شهادة هذا المرجع الكبير أعطت درساً بليغاً لكل الطغاة من ان يومهم قريب جداً مهما تفرعنوا كما يقول الشهيد السعيد السيد محمد باقر الصدر(قدس)، لان الجماهير اقوى من الطغاة وفعلاً قد تهاوت العروش الزائفة وسقطت في أوحال الهزيمة المخزية وتحقق دعاء شهيد المحراب (قدس) عندما كان يدعو عقب كل صلاة ( اللهم أرنا ذل صدام في الدنيا قبل الآخرة). فهل هناك ذل في الدنيا أسوأ من الذل الذي تعرض له فرعون العراق وهو يعيش أيامه الاخيرة في جحر الارانب والجرذان. وقد تحققت احلام السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر في التخلص من هذا النظام المجرم. فسلام عليه وعلى نجليه الكريميين يوم ولدوا ويوم استشهدوا ويوم يبعثون احياءً عند رب كريم والعاقبة للمتقين.