طالعتنا في عدة مواقع إلكترونية وجرائد يومية عناوين عريضة عن متابعة المسلسلات السورية خلال رمضان
المنصرم. وبين من يرى أن مسلسل «عن الخوف والعزلة» كان الأكثر مشاهدة، نجد على الطرف الآخر من يقول إن
«زمن العار» حاز المرتبة الأولى في استقطاب المشاهدين. علماً أن من تابع تلك الأعمال وجد أن العديد من خيوطها
الدرامية يشبه بعضها بعضا، تحديداً لجهة طريقة طرح القــصص التي تلتقي معظمها في نقطة واحدة وهي الجنس ولو
من بوابة خفية. فسلاف معمار أو «بثينة» في «زمن العار» وجدت أنوثتها مع جميل (تيم حسن)، بعد اثنين وثلاثين
عاماً من الوحدة. و«العار» هنا في أن «بثينة» على علاقة بزوج صديقتها «صباح» (قمر خلف) من دون علم أهلها
بزواجها الــسري منه. وفي الوقت نفسه، نجد القصة ذاتها في «عن زمن الخوف والعزلة»، حيث ترتبط كاريس
بشارة «لميس» مع زوج صديقتها «ماجد» عدنان أبو الشامات، في علاقة غير شرعية تنتهي بوفاة «ماجد» وعداء
بين «لميس» وصديقتها.
ورغم تشابه القصص بين العملين، إلا إنهما حظيا بمتابعة من الجمهور الســوري. هنا لا يمــكن نكران الأثر الذي
خلفته الدراما الــتركية في نفــوس القــيمين على الدراما السورية بحــسب الناقدة الفنية لافا خــالد: «لقد أثــرت
الدراما الــتركية لجهة دورانها حول قصص الحب والجنس، الأمر الذي سجل نقاطا كثيرة في رصـيدها عند جمـهورها
العربي، مما اضطر الكـتّاب هذا الــعام إلى إعادة النظر في النصوص الجديدة، لتصب في محور يجذب المشاهد وهو
الجنس من دون الاشارة إليه بشكل فاضح».
يرى كثر أن الأعمال الحديثة التي تناولت مواضيع معاصرة لم يتم التطرق إليها سابقاً، جاءت بديلا سلميا عن مواضيع
حساسة سبق أن تعرضت في السنة الماضية للقص والمنع من الرقابة. هنا يقول الكاتب عامر مراد: «يبقى موضوع
الجنس من القضايا الاجتماعية التي تشغل عقل المشاهد الشرقي الذي اعتاد على الكبت، لكنه أمر لا يمكن تجاهله في
الدراما تحديداً في ظل ازدياد العلاقات والمساكنة، أي أن ما يحدث على أرض الواقع يعد بمثابة صيد ثمين للكتاب
معفى من الرقابة».
هناك من يتهم المنتجين والكتاب السوريين بأنهم «يكرسون الأفكار الغربية من ناحية تعاملهم مع موضوع الجنس
كباب لجذب المشاهد العربي»، بينما هناك من يؤيد هذا التوجه لا بل يعتبر أن هناك تضارباً بين المواضيع المطروحة
وطريقة تقــديمها إن لنــاحية الأداء والملبس. تقول الدكتورة عهد حورية أستـاذة قسم المناهج في جامعة حلب
السورية: «لطالما بقي الجنس من الأشياء الخفية في مجتمعاتنا، الدراما تروج لفكرة أن أي مجتمع يتطلع للانفــتاح
يجب أن يمر بالجنس» وتضيف: «ربما التطــرق إلى هذا الموضوع أمر لا مفر منه في المجتــمعات الغــربية لأن له
علاقة بالتـربية، لكن في مجتمعاتنا يعــتبر الموضوع من الأمور المكبوتة ومهما بذلت الدراما من جهد كي تثبت أن
بإمكانها الخوض في المحرمات فهي لن تنجح لأنها تغفل جوانب أخرى ولا يزال مثلاً واضحاً عدم تماشي الملبس في
كثير من المشاهد مع النص المقدم».
ينتقد الكاتب مراد مسلسل «زمن العار» على سبيل المثال لأنه «يصور المرأة كأنها أداة لتحـقيق الشهوة فقط،
متناسيين فكرة أن المرأة قادرة بعقلها على أن تتفوق على الرجال. وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على أن الدراما
الحديثة لم تفعل حتى الآن شيئاً ينصف المرأة، فما فعلته هو العزف على وتر الجسد والجنس». كما تقول حورية:
«الدراما بدأت تصب الزيت على النار عند تركـيزها على أن الفــتاة بعد سن الثلاثين يفوتها قطار الزواج («زمن
العار»)، وكان الأجدر بدل الانسياق وراء الجنس كأحد الخطوط الدرامية، إدخال الأمن النفسي للمرأة والترويج لفكرة
أنه بقدر الجد تكتسب المعالي وأن من تؤمن لنفسها العمل تحيا بطمأنينة». يوافق مراد على وجهة نظر حورية عن ان
الجنس يعتبر دخيلاً على الدراما السورية: «دائماً نأخذ القشور وننسى الايجابيات، فالمرأة الغربية مهما كانت جميلة
تتباهى بعملها وهذا ما يجب التشجيع عليه في المجتمع العربي كي لا تعزف النساء عن العلم والعمل كما حدث في
بعض المسلسلات حيث كانت صورة المرأة المتعلمة غير مبالية بعائلتها».
أما في«قلبي معكم» فبقيت مقارية العلاقات العاطفية في الوسط الطبي ضمن خانة المعتاد والمألوف.
لكن رغم المطبات التي وقعت بها الدراما السورية، لا يمكن نكران انها تطرقت إلى بعض المواضيع في سياق الجنس
تعتبر من صلب الواقع، على سبيل المثال، حديث مسلسل «شتاء ساخن» عن موضوع ترقيع غشاء البكارة «أمر جيد
أن تتناول الدراما هذا النوع من القصص التي تم تناولها في الصحف العالمية على انها ظاهرة شرقية، رغم انها كانت
تشبه في سياقها قصصاً من مسلسلات أخرى، لكنها عرضت تعسفيا وعشوائيا» على حد تعبير الصحافية علياء
ربيعو.
فهل تخطو الدراما السورية أولى خطواتها نحو طروحات أكثر جرأة، أم أن الأمر لا يعدو مـجرد مصادفات في الطرح
تحرص على تمرير رسائل خفية وجذابة لجمهور يعاني من أكثر من «تابو» في حياته اليومية؟