.. عندما تكون عراقياً ..
سيكون لديك تدريب يومي على إخفاء دموعك
وابتلاع قطعة كبيرة من أمانيك التي غص بها واقعك
ووقف أمامها مشدوهاًفمن اين يأتي لك بمارد المصباح
ليعيد إليك وطنك المسروق
ورائحة دجلة والفرات
******
.. عندما تكون عراقياً ..
لن تستطيع ان تتمادى بابتسامتك
فخيالات وطنك الأسير.. تحاصرك
ودم بغـداد الذي ينبض في شرايينك
ويذكرك في كل مرة تحاول أن تبتسم بها
بأن ابتسامتك خيانة.. سيعاقبك عليها التاريخ
******
.. عندما تكون عراقياً ..
لن تستطيع أن تنفرد بأحلامك..
فهناك من يشاركك بها
بل يتربع على عرشها
فإن كانت أحلام الآخرين
مالٌ وسلطانٌ وزوجةٌ وأطفال
فأحلامك.. قيلولة في بيتك القديم
وفنجان قهوة على ضفاف دجلة
وصلاة ركعتين ودعاءٌ.. في احد المراقد الشريفة
******
.. عندما تكون عراقياً ..
ستعيش حالة من الغياب المزمن..
عن الحياة الطبيعية
فلا صحو ولا نوم
ولا عمل ولا راحة
ولا وعي ولا غيبوبة
بدون ذكرى العراق
وما كان عليه العراق
وما صارعليه
******
.. عندما تكون عراقياً ..
ستكون غريباً في وطنك.. وفي خارج وطنك
ستكون مثاراً لمختلف المشاعر
ستكون مثاراً للشفقة حيناً
ومثاراً للحزن حيناً
ومثاراً للاهتمام حيناً
ومثاراً للإعجاب أحياناً
******
.. عندما تكون عراقياً ..
ستصاب حتماً بمرض يدعى: الحزن
وستصيب العدوى بمرضك هذا كل من يعرفك
أو يتأمل تلك الدموع الأسيرة في عينيك
أو يستمع لأنين المساجد والكنائس
..
******
.. عندما تكون عراقياً ..
ستتمتع بذاكرة قوية ستتذكر
صوت كل مؤذن ... وضحكة كل طفل
ستذكر لون الفجر.. وطعم النوم.. ورائحة المطر
وستذكر ايضاً.. تلك الليالي السوداء
بأصوات وحوشها وحركاتهم
ستذكر رائحة الموت الممزوجة بالبارود
ونواح النساء ستذكر رسم خطواتك نحو المجهول
وستذكر كل دمعة.. فوق أية حبة تراب سقطت
******
.. عندما تكون عراقياً ..
ستدرك أهمية الارقام
وستحبها.. او تحقد عليها
علاقة وطيدة ستنشأ بينكما
بعد أن يتحول اسمك إلى رقم
وتاريخك إلى رقم
وموقع بيتك إلى رقم
وعدد أفراد عائلتك المفقودين إلى رقم
وعدد من مات.. ومن سُجن..ومن قُطّع إرباً.. إلى أرقام
وعدد الايام التي قضيتها.. أو قضتك.. في المخيمات.. إلى رقم
وأحلامك وتنبؤاتك الفاشلة لموعد رجوعك إلى وطنك.. إلى رقم
ستدرك حتماً أهمية الأرقام
وسيلهج لسانك بالشكر لمن اخترع الأرقام
وإلا لكانت حياتك بلا حياة
وبلا أرقام أيضا
******
.. عندما تكون عراقياً ..
ستعيش حنيناً دائماً لماضِ لم تعرفه
ولمستقبل ليس بإمكانك ان تعرفه
******
.. عندما تكون عراقياً ..
لن تعنيك كلمات العشق.. ومؤشرات البورصة العالمية
ومهرجانات تقام هنا وهناك
ولن يعنيك أن يطول الليل .. أو يختفي للأبد النهار
ولن يعنيك أن يكون العام اثنا عشر شهراً
لن يعنيك أن يصعد البشر إلى القمر.. أو ينزل هو إليهم
لم يعنيك خسارة حزب في الانتخابات .. وفوز آخر
لن يعنيك قيام دولة.. وسقوط أخرى
كل ما يعنيك هو أن العراق احتل
ويجب أن نحرره
******
.. عندما تكون عراقياً ..
ستتوقف عن الكلام فجأة
وستترك الرواية بلا نهاية
والقصيدة بلا خاتمة
فغالباً ما ستزدحم الافكار في رأسك
حتى يدهس بعضها بعضاً
وستضطر إلى التوقف عن الكتابة .. أو الكلام فجأة
لتقوم بمراسم دفن ما دُهِس من افكارك
ومات قبل أن يخرج للوجود
ولـــــذلك
سأقطع حديثي وأغادر إلى بيوت العزاء في المنفى
حيث تموت الأفكار رافضة أن تكون بلا وطن