أحسست بالخريف الزاحف على الطبيعة يحّد كل الأشياء حولى تأملت شجرتى الرابضة فى هدوء بجوار بيتى ، والخريف الأصفر:
يعتصر جذورها ،
ويمتص آخر قطرة من اخضرارها !
أراها وهى تتعرى إلا من ذكرياتى ،
وتتحول أوراقها اليابسة إلى تراب !
- جراحة كل عام –
إنها صامدة – كعهدى بها- تستسلم
لا تئن
ولا تشتكى
ولا تبنئس
بل تنتظر فى حكمة يوم النقاء فى حضن المطر
فلا يبقى لغبار الكون مكاناً فى كيانها ،
إلى أن تستريح فى بيات شتوى فى انتظار الربيع الواعد !
ويعود تفكيرى إلىّ
وأجد نفسى أنا أيضاً بين رياح خريف العمر
وأيامى تتساقط عنى ،
وأشيخ
تذكرت بداياتى الأولى ،
ورغبتى الحميمة فى أن أطاول قامة الكبار !
ولم أكن أدرك فى طفولتى :
أنه كلما زادت أيام حياتى كلما نقصت أيام عمرى بالمقابل
وسوف أرحل – يوماً ما ـ إلى الغرب فى سبات طويل
وفى ثقة لمعت من السماء ،
قلت لنفسى :
قد أكون كالشجرة فى الخريف العاصف
ولكنى لست بشجرة !
فكل ورقة انسانية تتساقط من عمرى ،
تضاف إلى عقلى وفكرى :
علماً ، وخبرة ، ودراية
وتبقى جذورى ليست ممتدة فى الارض ،
بل فى القلب
- قلب من أعرفهم ويعرفوننى -
عارفاً بأن ربيع الإنسان ، كل إنسان ، ليس ربيعاً واحداً ، بل ربيعين :
ربيع الحياة فى أولاده وأحفاده
وربيع الأبد فى الحياة السماوية