عبرت الشارع في دهشة، كانت ترمي بخطى متتاقلة، اختل توازنها وكانت ساقيها ترتعشان ،قاومت توثرها وخوفهاواندفعت بكل ما يملكه جسمها من قوة نحو المنزل الى ان وصلت للباب، كان مكتضابجماهير الناس، هذا يبكي وذلك يصيحواخرى تصرخ باكية، فقدت قواهاوكانت وكانها في صراع مع الزمن فكلما اسرعة في الدخول الى المنزل كانت قوة تمنعها تتحداها وتعيقها، تسللت الى مسمعها كلمات لم تفهمها، نعم، انها تعزاي تجاهلت ما سمعته او بمعنى اخر لم تشا تصديقة.
وقفت وسط المنزل صامتة اجتاحتها دوامة تلاشى بها عقلها وصوابها رفعت بصرها وذهلت بالنساء اللواتي ملان البيت، انتفض قلبها ورمت بنظرة احتظنت جميع اركان المنزل، وبعد الصمت والهدوء صرخت صرخة قوية وهي تهتف باسم امها.هرولت مسرعة الى غرفة والدتها وما ان فتحت الباب حتى وقع نظرها على جسم ابيض جامد اقتربت منه والقت نظرة عليه فاخدت تبكي وتقول:الم اتركي باسمة مسرورة؟لم تظاهرت بذلك؟ودعتكي قبلت جبينكي ...هيا افتحي عينيكي كلميني اضربيني اقتليني باركني ضعي يدك على جبيني ومرريها على وجهي كما فعلتي دائما. لم تحول بصرها عنها واخدت تبكي وتنتحب تبكي دموعا تحمل احلاما وامالا ضاعت مع ضياع اعز واطيب واحن قلب دموعا تحمل بصمات مستقبل غامض في انتظارها . قبلت جبين امها قبلة وداع دنيوي ،قبلتها بقلبها المطعون وجوارحها المحطمة، بقلب خائف من غدر هذا الزمان ، خائف من الضياع ،التشرد ، اليتم ، ودعتها بعيت سارقة تقاسيم وجه امها سارقة ملامحه ، بسماته ، نظراته ، حنانه وحبه
مرت الايام والليالي في حزن ويتم والم واشتياق ،لم يضمد الجرح بعد ولا تزال الذكريات تعرض على شاشة الحزن والياس ،لم تتلاشى صورة وجع تبثت في ذاكرتهاكل يوم تراه بوضوح تتامل ملامحه تسبح في ذكرياته وتخاطب نفسها قائلة:الا حق لي في نظرة خوف تحميني، كلمة تحيي حنيني نصيحة تهديني بسمة تفرحني حنان حب عطف وقلب ياويني
مرى الايام وجاء الصيف،الصيف المرير الحزين ،الصيف الدي يشهد ذبول زهرة في ربيع عمرها ،فتاة لا يبلغ سنها السادس عشر سنة ،فتاة تخشى مستقبلا غامضا ،فتاة لا تعرف من يضمهاومن يؤويه،ا عساه ابا لا حاجة له في الدنيا سوى الاذمان ، اب يبيع نفسه وحرمتة في سبيل زجاجة ،ويا لها من زجاجة ،زجاجة تتلاشى امامها الصعاب ةالشقاء والمتاعب ،فمن يحرص على هذه الفتاة ؟من يضمد جرحها؟ من ينسيهاهمها؟من يعوضها امها؟
انه الدخول المدرسي ان ميعاد القرار الصعب ،الخيار بين الدراسة والسعي وراء لقمة العيش ، اخدت قرارها ، فقسمت وقتها بين دراستها وعملها، عملت كخادمة في البيوت مرى واخرى كبائعة جرائد عتد الاشارات وفي اغلب الاحيان كانت تبيع الورود على الطرقات .تابعت حياتها هكذا الى ان اصيب اباها بمرض مذمن ، ومذا عساها ان تفعل؟ انه اباهاوهو جزء منها كما انها جزء منه .زادت مسؤوليتها ومطالبها، عملت بجهد وجد وكدح لكن لا حياة لمن تنادي ، توفي اباها واصبح البيت موحشا ، لم يكن جميلا دافئا بالحب والحنان من قبل ولكنه كان يضمها الى جانب ابيها ،اما الان فلا توجد سوى جدارن حملت عددا لا حصر له من الذكريات، جدران ترى فيها بصمات تاريخها ، بصمات جروحها ولياليها وايامها .ليست قادرة على الصراخ والتكلم وكيف لها ذلك؟ وهي اكيدة ان صورتها لن يسمع في هذا المجتمع ، هذا المجتمع الكاذب، الخائن، القاسي .تقاسي تجرح تتعذب وكيف لها الاستسلام والانهزام بعد هذا الطريق الذي سلكته؟
لا تبقى سوى سنة لتخرجها دكتورة ن لا يمكن التفريط في تعب وشقاء سبع سنوات ،لن تستسلم للفقر ولحياة الذل، هي مؤمنة ولن يخونها ايمانها واملها في الله تعالى
جاء موعد الانتقال ولحظة الانتظار، جاء موعد رسالتها، رسالة الدكتوراه، يا له من زمن ومن حياة قبل سنوات كانت تبيع الورود على الطرقات ، كانت خدامة في المنازل وكان الكل يرمقها بنظرة احتقار واشمئزازوقليلا ما كان ينظراليها ببعض من الشفقة والرحمة،من حقهاا الان ان تخجل من ماضيها كما يقول البعض لكنها ليست كالبشر،البشر الكادبون الماكرون والمتكبرون التاركون وراءهم ماضيهم المتباهون بحللهم الجديدة ومراكزهم الكبيرة
نجحت في رسالتها واصبحت استاذة جامعية في نفس الكلية ، الكلية التي شهدت احزانها وحرمانها وبؤسها ،حملت شهادة تخرجها بين يديها وصرخت بكل قوة قائلة:الحمد لله ، شكرا يا ورفة ويا قلم ، شكرا يا حياة لانكي لم تعطني وانا في امس الحاجة اليكي لكني شاكرة على قسوتك والااان ها انت تعرفينني رغما عن انفكي، واشارت باصبعها الى الحاضرين وقالت وانت يا بشر بوركت على قسوتك وانانيتك وكرهك وزرعك بذور القورة في قلبي
اتجهت بعد ذلك للمقبرة وما ان مثلت امام قبر والديها حتى شرعت في تتحدث اليها وهي تقول:ارايتي يا امي ؟ ها انا طفلتكي الصغيرة ، اين انت يا ابي؟ اشتقت اليكما، لقد نجحت وهذا بفضل رضاكما عني ومباركتكما ، احبكما وساشرفكما ساصون ذكرياتكما....
انصرفت متجهة نحو البيت ن وقفت مستعدة لعبور الشارع فقالت وهي تخاطب نفسها:يا لها من صدفة في نفس اليوم والساعة والمكان الذي وقفت فيه فتاة صغيرة ضعيفة اقف الان وانا استاذةجامعية فقطع تفكيرها فتاة صغيرة في السادسة عشر من عمرها وهي تركض بجنون نحو بيت مكتض بالناس، تنبعت منه صرخات وصيحات متعالية فقلت في انذهاش :لعلها نفس القصة تتكرر، نفس الضحية ، نفس الاسباب، ولكن هل يمكن ان تكون نفس النهاية...................؟