حقيقة معجزات السيد المسيح(عليه السلام)

يقول الله تعالى:
{ وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } (آل عمران 50)

{إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ } (المائدة 111)

الخلق والإبراء والإحياء هي آيات المسيح عليه السلام وعلامات صدقه. وقد جعل لهما الله تعالى جانبان؛ مادي وروحي لكي تكون شهادات على أنه نبي صادق من الله تعالى وأنه فوق مستوى الشبهات التي أثارها اليهود ضده:

اولا: الجانب الروحي
الآية تبين أن المسيح عليه السلام كان يؤثر في متبعيه نظرا لاختلاف حالاتهم. فمنهم من كان ذا طبيعية طينية قابلة للتشكل ومهيئة لاستقبال التعاليم الإلهية، ومنهم من كان مصابا بالأمراض الروحانية، ومنهم من كان ميتا روحانيا تماما.

1- خلق الطير من الطين: فمنهم من كان ذا طبيعة طينية قابلة للتشكل ومستعدة لتقوم بمقام الاستخلاف الروحاني وهم لا زالوا قائمين على الدين الذي ورثوه من أنبياء بني إسرائيل. فكونهم من طين أي أن طبيعتهم تشبه طبيعة آدم عليه السلام، كما أن مهمتهم ستكون استخلاف المسيح عليه السلام وحمل رسالته واستمرارها فيهم. وهذا ما تحقق في تلاميذه المقربين المخلصين.

2- إبراء الأكمه والأبرص: الأكمه هو من ولد أعمى، أو من اعتراه عمىً عارض. كما أن الكمه يعني سلب العقل وركوب الرأس والعناد كما تذكر المعاجم. والأبرص هو من ظهرت عليه بقع بيضاء فشوهته، وأكثر ما يطلق على الأفعى المرقطة بالبياض. ولا شك أن الكمه والبرص كانا أهم عيوب بني إسرائيل. فمنهم من كانت الذنوب ظاهرة بارزة عليه كما كانت طبائعهم كالأفاعي؛ لذلك نجد المسيح قد وصفهم بهذا الوصف في الإنجيل بشكل متكرر كقوله: {أَيُّهَا الْحَيَّاتُ أَوْلاَدَ الأَفَاعِي!} (إِنْجِيلُ مَتَّى 23 : 33) ، ومنهم من كان يتعامى عن رؤية الفساد ومن كان عنيدا معاندا راكبا رأسه في الباطل. وقد أخبر الله عن هذا المرض فيهم بقوله:{كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ } (المائدة 80). وبالتدقيق نجد أن تعاليم المسيح مركزة على هذه الجوانب بشكل كبير.
3- إحياء الموتى: الموتى هم موتى القلوب البعيدون تماما عن الروحانية والدين. فالمسيح عليه السلام كان يؤثر فيهم ويخلق فيهم روحا يتعرفون بها على الله تعالى ويبعثون من جديد.

أما لماذا ذكر الله تعالى هذه الجوانب بشكل تفصيلي، ولم يذكرها مثلا بحق النبي صلى الله عليه وسلم (مع أنها ضمن آيات النبي صلى الله عليه وسلم أيضا)، فهذا لأن ما ذكر سابقا كان أمراضا خاصة ببني إسرائيل. والخلق من الطين وإبراء الأكمه والأبرص يختصان بأمة كانت لديهم تعاليم سماوية سابقة فكان منهم من هو مستعد للارتقاء ببعثة المسيح ومنهم من كان مغرقا في أمراض روحانية وقد تيسر له الشفاء منها عن طريق المسيح عليه السلام. أما النبي صلى الله عليه وسلم فقد جاء في أمة ميتة روحانيا فبعثهم ولم يكن عندهم بداية أثر يذكر من تعاليم سابقة. وما كان للمسيح عليه السلام يمكن أن ينطبق على المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام الذي خلق طيورا روحانية ظهر فيها الاستخلاف مجددا، وعالج أمراض الأمة التي كانت تشابه أمراض بني إسرائيل، كما أحيا الموتى أيضا.

ثانيا: العلامات المادية:
أراد الله تعالى أن يُظهر صدق المسيح عيسى بن مريم عليه السلام من خلال علامات ظاهرة مادية تبقى وتستمر. وهذا لأنه تعرض لمعارضة شديدة وتشكيك من اليهود حيث وصف بأقذع الأوصاف ورمي بأبشع التهم. وهذه العلامات هي:
1- الاستخلاف المادي: فقد أراد الله تعالى أن تستمر خلافة المسيح رغم تشوه تعاليمه وانحرافها. فنرى أن الكنيسة الكاثوليكية يتسلسل فيها الخلفاء حتى بطرس وهي مستمرة إلى اليوم. ولكنها خلافة ليست حقيقية لأن هيأتهم كهيئة الطير ولكنهم ليس منفوخا فيهم الروح الحقيقية. ولا يكون خليفة إلا من نفخ الله تعالى فيه من روحه. وقوله تعالى "بإذني" أو "بإذن الله" تشير إلى أن هناك من يصبحون بالفعل طيورا ومنهم من لا يأذن الله تعالى بهذا ويكونون مجرد هيئة لا روح فيها.
2- التقدم الطبي الهائل الذي نالته الشعوب المسيحية بالإشارة إلى إبراء الأكمه والأبرص لتكون علامة على الأمراض الوراثية والمستعصية والعارضة. ويمكن اعتبار إحياء الموتى أيضا داخل في هذا التقدم العلمي، حيث يتم إنقاذ المرضى المشرفين على الموت.
3- النهضة التي شهدتها الشعوب المسيحية والتي كانت ميتة غارقة في الجهل والظلمات فأصبحت أمما رائدة مزدهرة.
ومما لا شك فيه أن هذه الأمور المادية قد جعلت الصليب يستعلي ويزداد عُبّاد المسيح عيسى بن مريم بصفته إلها. ولكن الله تعالى قد أشار في قوله "بإذني" أن كل ما حدث ويحدث مع هذه الشعوب إنما هو بإرادة الله تعالى ليقضي أمرا كان مفعولا.

وفي النهاية نجد أن الله تعالى يُذكّر المسيح عليه السلام بهذه النعم الظاهرة وهذا لأن المسيح قد أصبح في النهاية إما نبيا مكرما عند المسلمين أو إلها عند النصارى، وأصبح تلقائيا فوق الشبهات والتهم الباطلة التي حاول اليهود إلصاقها به. وهذه العلامات كانت بحق علامات واضحة ونعما عظيمة جعلها الله للمسيح عليه السلام.

مشكوووور اخي العزيز