كان سنه عند وفاة أبيه عليه السلام خمس سنين ، آتاه الله سبحانه الحكم وفصل الخطاب صبياً كما آتاها يحيى صبياً ، وجعله في حال الطفولة إماماً كما جعل عيسى عليه السلام نبياً وهو في المهد ، وقد سبق النص عليه من جده رسول الله بأمر الله ونص أجداه الأئمة المعصومين عليهم السلام عليه بالإمامة لأمر الله ورسوله .
فأصبح إماماً في حدود سنة 260 هجرية قمرية أي في السنة التي توفى فيها والده العظيم الإمام الحسن العسكري (ع) ، وتمتد إمامته عليه السلام إلى زماننا الحاضر وحتى يظهره الله تعالى ويقيم دولته وحكومة دينه وعدله على يديه ، وله عليه السلام الهداية في غيبته بطرق وأساليب خاصة ، وله الهدية والولاية والحكومة في ظهوره عجل الله تعالى فرجه الشريف .
وقد بينا في مقدمة هذا الكتاب صحيفة المهدي المنتظر ، وفي ما كتبناه في الإمامة العامة من كتابنا ( هذه أصول دينين ) أو فيما كتبناه في صحيفة الثقلين ، وملخصه أنه ضرورة وجود الإمام ضرورة حتمية يوجبها العقل والنقل .
كما أن وجود هادي للبشر وإمام يقودهم لسبيل السعادة الدنيوية والأخروية سبيل السنن الكونية والتشريعية المبينة لمدى اهتمام الله تعالى بدينه وجديته تعالى في دعوته لدينه ، وعدم خلو الدنيا على طول الزمان من وجود حجة لله على عباده يهديهم سبيل الرشاد ظاهراً وباطناً ، يحتاج إليه الناس لهدايتهم وهو مهدي بأمر الله تعالى لا يحتاج لهداية أحد غيره ، ويكون هو السبب المتصل بين الأرض والسماء يوصل لهم تعاليم الله الخالصة من غير تحريف ولا رأي ولا اجتهاد .
والهادي للبشر سواء كان نبي أو في زمان ختم النبوة الإمام المعصوم في كل زمان يكون قد أعده الله تعالى إعداد خاص ورباه تربية متميزة تحت عنايته ، وذلك لكي يهدي البشر زمان إمامته وخلافته وولايته ، وهو عليهم منصوب من قبله تعالى خليفة لرسول الله في زمان ختم النبوة .
وأما الرواية الذاكرة لإمامة إمام عصرنا المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف والمبشرة به فهي كثير جداً ، تبينها جميع الرواية المصرحة بإمامته أو المبشرة بظهوره وحكومته عليه السلام ، فنذكر بعض هذه الروايات وسنفصل القول في فصل مستقل إن شاء الله تعالى .
عن سعيد بن جبير ، عن عبد الله بن عبّاس قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « إنّ خلفائي وأوصيائي وحجج الله على الخلق بعدي لأثنى عشر ، أوّلهم أخي وآخرهم ولدي »
قيل : يا رسول الله ومن أخوك ؟ قال : « عليّ بن أبي طالب » .
قيل : فمن ولدك ؟ قال : « المهدي الذي يملاَها قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً ، والذي بعثني بالحقّ بشيرا لولم يبق من الدنيا إلاّ يوم لطّول الله ذلك اليوم حتّى يخرج فيه ولدي المهديّ ، فينزل روح الله عيسى بن مريم فيصلّي خلفه ، وتشرق الأرض بنور ربّها ، ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب )) كمال الدين : 280، 27 .
عن سلمان الفارسي قال : دخلت على النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فإذا الحسين بن علي على فخذه ، وهو يقبِّل عينيه ويلثم فاه وهو يقول : « أنت سيّد ابن سيّد ، أنت إمام ابن إمام أبو أئمة ، أنت حجة ابن حجة أبو حجج تسعة من صلبك ، تاسعهم قائمهم .كمال الدين : 262:9 ،إعلام الورى 2 : 180.
عن جابر ابن يزيد الجعفيّ قال : سمعت جابر بن عبد الله الأنصاري يقول : لمّا أنزل الله تعالى على نبيّه صلّى الله عليه وآله وسلّم : ( يا أَيّهَا الَّذينَ آمَنوُا أَطيعُوا الله وَ أَطيعُوا الرّسولُ وَأُولِي الاَمرِ مِنكُم ) النساء 59 . قلت : يا رسول الله ، عرفنا الله ورسوله ، فمن أُولي الأمر الذي قرن الله طاعتهم بطاعتك؟
فقال عليه السلام : هم خلفائي ـ يا جابر ـ وأئمّة المسلمين بعدي ، أوّلهم عليّ بن أبي طالب ، ثمّ الحسن ، ثمّ الحسين ، ثمّ عليّ بن الحسين ، ثمّ محمّد بن عليّ المعروف في التوراة بالباقر ، وستدركه يا جابر ، فإذا لقيته فأقرئه منّي السلام ، ثمّ الصادق جعفر بن محمّد ، ثمّ موسى بن جعفر ، ثم عليّ بن موسى ، ثمّ محمّد بن عليّ ، ثمّ عليّ بن محمّد ، ثمّ الحسن بن عليّ ، ثمّ سميّي وكنيّي ، حجّة الله في أرضه ، وبقيّته في عباده ، ابن الحسن ابن عليّ ، ذاك الذي يفتح الله تعالى ذكره على يديه مشارق الأرض ومغاربها ، وذلك الذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبة لا يثبت فيها على القول بإمامته إلاّ من امتحن الله قلبه للإيمان .
قال جابر : فقلت له : يا رسول الله فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته؟ فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم : إي والذي بعثني بالنبوّة انّهم ليستضيئون بنوره وينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن تجلاها سحاب ، يا جابر : هذا من مكنون سرّ الله ومخزون علم الله فاكتمه إلاّ عن أهله .
إلى آخر الخبر في كمال الدين : 253:3، وأعلام الورى 2:182.
عن عبد الله بن عبّاس قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « إنّ الله تعالى إطّلع على الأرض إطّلاعة فاختارني منها فجعلني نبيّا ، ثمّ اطّلع الثانية فاختار منها عليّاً فجعله إماماً ، ثم أمرني أن أتّخذه أخاً ووصياً
وخليفة ووزيراً فعليّ منّي وأنا من عليّ وهو زوج ابنتي وأبو سبطيّ الحسن والحسين ، ألا وإنّ الله تبارك وتعالى جعلني وإيّاهم حججاً على عباده ، وجعل من صلب الحسين أئمّة يقومون بأمري ويحفظون وصيّتي ، التاسع منهم قائم أهل بيتي ومهدّي أُمتي ، أشبه الناس بي في شمائله وأقواله وأفعاله ، يظهر بعد غيبة طويلة وحيرة مضلّة فيعلن أمر الله ويظهر دين الله ويؤيّد بنصر الله وينصر بملائكة الله ، فيملاَ الاَرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً )) كمال الدين : 257:2 ، وكذا في : كفاية الأثر للخزاز 10 .
هذا وسنفصل القول في الفصل الثالث إن شاء الله تعالى أو راجع الكتب المطولة المختصة في هذا الباب ككتاب هذا الكتاب بحار