عاصر الإمام الهادي (عليه السلام) مدة إمامته ستّة من خلفاء بني العباس، المعتصم منذ سنة (220 ـ 232 هـ ) والمتوكل (232 ـ 247 هـ) حيث قتل على يد الأتراك ، ثم جاءت أيام المنتصر ـ وكانت مدّة خلافته ستة أشهر ويومين، ثم المستعين (248 ـ 252هـ) كما عاصر الشطر الأكبر من خلافة المعتز (252 ـ 255هـ) حيث كان استشهاد الإمام الهادي (عليه السلام) سنة (254هـ)[4] ، وفي هذا العام تولى مهام الامامة ابنه الحسن بن علي العسكري (عليهما السلام) .
وكانت الظروف التي تمر بها الدولة العباسية بعد تولي المتوكل ظروفاً صعبة جداً ، إذ إنها كانت تعد مؤشراً على ضعفها ، وتشكل بدايةً لانحلالها ، فالحروب الداخلية والخارجية من جهة ، والقتال بين أبناء الخلفاء على كرسي الحكم من جهة اُخرى كالذي حصل بين المستعين والمعتز والذي أدّى الى تولي المعتز وخلع الاول عام (252هـ)[5] . كل واحد من هذه الصراعات كان له تأثيره المباشر في ايجاد الضعف والانحلال .
وتمثّلت الأحداث الداخلية أيضاً بنشاط الخوارج والذي كان نشاطاً قوياً فعالاً مدعماً بالمال والسلاح بقيادة مادر الشاري ، وهناك أيضاً الثورات والانتفاضات العلوية الى جانب نزاعات الطامعين في السلطة .
كما ان الدولة كانت تعاني من سوء الحالة الاقتصادية نتيجة للبذخ والاسراف الذي كانت تعيشه رجالات البلاط والوزراء وحاشيتهم ، وفي أيام المتوكل قام المتوكّل بهدم قبر الإمام الحسين (عليه السلام)[6] ، ومَنَعَ القاصدين لزيارته عن زيارته; لأن المتوكل كان يتجاهر بعدائه لآل أبي طالب ومطاردتهم ، ولم يرد تجاه تلك الاحداث أي تعليق من قبل الإمام الهادي(عليه السلام)، ويمكن أن يقال: «انه لم يرد إلينا عن موقف الإمام (عليه السلام) مع الخلفاء شيء سوى ما جاء عن موقفه من المتوكل وهو أقل القليل» . [7]
وكانت للإمام الهادي (عليه السلام) منزلة سامية ومكانة رفيعة القدر لدى أهل المدينة لإحسانه إليهم وعلاقته القوية معهم ، فلمّا أشخصه المتوكل وأرسل يحيى ابن هرثمة لجلب الإمام من المدينة إلى سامراء عام (234هـ) اضطرب الناس وضجّوا كما يروي يحيى بن هرثمة نفسه حيث قال : «فذهبت الى المدينة فلمّا دخلتها ضجَّ أهلها ضجيجاً عظيماً ، ما سمع الناس بمثله خوفاً على علي ـ أي الإمام الهادي (عليه السلام) ـ وقامت الدنيا على ساق ، لأنه كان محسناً إليهم ملازماً للمسجد ، لم يكن عنده ميل الى الدنيا ، فجعلت أسكّنهم ، وأحلف لهم أني لم أؤمر فيه بمكروه ، وأنه لا بأس عليه ، ثم فتّشتُ منزله فلم أجد إلاّ مصاحف وأدعية ، وكتب علم ، فعظم في عيني»[8].
وتعكس هذه الرواية لنا حجم ما كان يؤديه الإمام الهادي (عليه السلام) من دور في المدينة والذي نتج عنه حصول روابط ووشائج قوية تصل الاُمة به كما كانت توصله بالأمة ، وربما كان المتوكل قد وقف على هذا التأثير البالغ للإمام(عليه السلام) فكان سبباً لإبعاده عن المدينة المنوّرة الى سامراء التي أسسها العباسيون أنفسهم والتي عُرفت بميول أهلها والذين كان أغلبهم من الأتراك إلى العباسيين أوّلاً ، بالاضافة الى ما عرفوا به من تطرّف في التوجه الى السيطرة والسلطة ثانياً .